شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
بعض ما ورد في ذكر حملة العرش
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: ذكر حملة العرش وعظم خلقهم.
قال: حدثنا ابن زهير النيسابوري اسم> و عبد الله بن العباس الطيالسي اسم> قال: حدثنا أحمد بن حفص اسم> قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم بن طهمان اسم> عن موسى بن عقبة اسم> عن محمد بن المنكدر اسم> عن جابر اسم> رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام أو قال: خمسين عاما متن_ح> رسم> .
قال: حدثنا عبد الغفار بن أحمد الحمصي اسم> قال: حدثنا ابن مصفى اسم> قال: حدثنا يحيى بن سعيد اسم> عن إسماعيل عن الأحوص بن حكيم اسم> عن شهر بن حوشب اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما: رسم> أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: ما جمعكم؟ قالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته فقال: ألا أخبركم ببعض عظمته قلنا: بلى يا رسول الله قال: إن ملكا من حملة العرش يقال له: إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقتا قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا في مثله من خليقة ربكم تبارك وتعالى رسم> .
قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب اسم> قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد اسم> قال: حدثنا زيد بن الحباب اسم> قال: حدثنا أبو السمح اسم> قال حدثني أبو قبيء اسم> أنه سمع عبد الله اسم> رضي الله عنه يقول: حملة العرش ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينيه مسيرة خمسمائة عام.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود اسم> قال: حدثنا محمود بن خالد اسم> قال: حدثنا عمرو بن عبد الواحد اسم> عن الأوزاعي اسم> قال: حدثنا حسان بن عطية اسم> رحمه الله تعالى قال: إن حملة العرش ثمانية أقدامهم مثبتة في الأرض السابعة رءوسهم قد جاوزت السماء السابعة وقرونهم مثال طولهم عليها العرش.
قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله بن عمران اسم> قال: حدثنا جرير بن عطاء بن السائب اسم> عن ميسرة اسم> عن زاذان اسم> رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: رسم> وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قرآن> رسم> قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور.
قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن سليمان بن أشعث اسم> قال: حدثنا محمد بن خلف اسم> قال: حدثنا رواد اسم> يعني ابن علي بن الجراح اسم> عن الأوزاعي اسم> عن هارون بن رئاب اسم> قال: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حزين رخيم يقول أربعة منهم: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
قال جدي رحمه الله تعالى خبرت عن إدريس بن سنان اسم> عن أبيه عن وهب بن منبه اسم> رحمه الله تعالى: أن مناكب الملائكة الذين يحملون العرش ناشبة في العرش وما بين المناكب إلى أطراف الرءوس لا يوصف عظما والأقدام راسية بأسفل السافلين وحول العرش سبعون ألف صف من الملائكة صف خلف صف قيام ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة، ما بين جناحي الملك مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة أربعمائة عام وما بين كتفي أحدهم مسيرة خمسمائة عام، وما بين ثديي أحدهم مسيرة خمسمائة عام، ومن قدمه إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام وما بين ركبته إلى أصل فخذيه مسيرة خمسين ومائتي عام، وما بين فخذيه إلى أضلاع جنبيه مسيرة ثلاثمائة عام، وما بين ضلعين من أضلاعه مسيرة مائتي عام وما بين كفه إلى مرفقه مسيرة مائتي عام، وما بين مرفقه إلى أصل منكبيه مسيرة ثلاثمائة عام، وكفاه لو أذن له أن يقبض بأحدهما على جبال الأرض كلها لفعل وبالأخرى على أرض الدنيا كلها لفعل.
وإن حملة العرش طول كل واحد منهم مسيرة مائتي ألف سنة وسبعة عشر ألف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة ولهم وجوه وعيون لا يعلم عدتها إلا الله تبارك وتعالى، فلما حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة الله تبارك وتعالى فلقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستووا قياما على أرجلهم، وإن قدم كل واحد منهم نافذة تحت الأرض السفلى مقدار مسيرة خمسمائة عام على الريح.
قال: حدثنا أحمد بن محمد المصاحبي اسم> قال: حدثنا ابن البراء اسم> قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس اسم> عن أبيه عن وهب اسم> رحمه الله تعالى قال: مناكب الملائكة الذين يحملون العرش ناشبة في العرش وما بين المناكب إلى أطراف الرءوس قدر غلظ العرش وهو لا يوصف غلظا ولكل ملك منهم أربعة وجوه على أربع صور وجه أمامه ووجه خلفه ووجه عن يمينه ووجه عن شماله، وما بين الوجوه إلى الأقدام عيون بطرف الجسد كله والأقدام راسية في أسفل السافلين، وما خلق الله عز وجل من شيء دون الحملة في جوف الكرسي، والحملة وراء كل شيء وأربعة من الملائكة يدورون حول العرش مذ يوم خلق الله عز وجل العرش إلى يوم ينفخ في الصور، لكل ملك منهم ستة أجنحة يرف باثنين ويسبح باثنين ويخمر وجهه باثنين من لهب النور.
وهم يقولون: سبحانك قدوس الله الذي ملأت عظمته السموات والأرض لا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم، لا يسأمون ولا يفترون ويذكرونه ويعظمونه بما هو أهله لا يدرون ما قربهم من الله ولا بعدهم منه، يقولون: سبحانك قدوس أنت بكل مكان أينما كنت وحيثما كنت وبين ملائكة حملة الكرسي وبين حملة العرش سبعون حجابا من ظلمة وسبعون حجابا من النور، غلظ كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام وبين الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ولولا تلك الحجب لاحترقت ملائكة الكرسي من نور الملائكة حملة العرش، فكيف بنور الرب جل وعلا الذي لا يوصف ولا يدرى ما كنهه.
وحملة العرش اليوم أربعة أملاك، فإذا كان يوم القيامة أيدوا بأربعة آخرين فكانوا ثمانية: ملك منهم في صورة إنسان يشفع لبني آدم في أرزاقهم، وملك في صورة النسر يشفع للطير في أرزاقهم وملك في صورة أسد يشفع للسباع في أرزاقها، وملك في صورة ثور يشفع للبهائم في أرزاقها، ولكل ملك منهم أربعة وجوه: وجه إنسان ووجه نسر ووجه ثور ووجه أسد.
وذكر وهب اسم> رحمه الله تعالى: أن حملة العرش طول كل واحد منهم مسيرة مائتي ألف سنة وسبعة عشر ألف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة ولهم وجوه وعيون ما لا يعلم عدتها إلا الله تبارك وتعالى، فلما حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة الله عز وجل فلقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستووا قياما على أرجلهم، وإن قدمي كل واحد منهم نافذة تحت الأرضين السفلى مقدار مسيرة خمسمائة عام على الريح يحمدون الله عز وجل ويعظمونه ويسبحونه ويمجدونه لا يفترون يقولون: لا إله الله ذو العرش المجيد الرفيع، ثم يستغفرون للمؤمنين والمؤمنات.
قال: حدثنا الفضل بن عباس بن مهران اسم> قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير اسم> قال: حدثنا مسلم بن خالد اسم> عن ابن أبي حسين اسم> عن شهر بن حوشب اسم> أنه حدثه قال: كان يقال إذا كان يوم القيامة فمدت الأرض مد الأديم، ثم حشر الله عز وجل من فيها من الجن والإنس، ثم أخذوا مصافهم من الأرض، ثم نزل أهل السماء الدنيا بمثل من في الأرض ومثلهم معهم من الجن والإنس حتى إذا كانوا مثل رءوس الخلائق أضاءت الأرض لوجوههم فَخَرّ أهل الأرض ساجدين قالوا أفيكم ربنا؟ قالوا ليس فينا وهو آت.
ثم أخذوا مصافهم ثم نزل أهل السماء الثانية كمثلي من في الأرض من الجن والإنس والملائكة ثم نزل أهل السماوات على قدر ذلك من التضعيف أضعاف في الشدة والقوة والنجدة والشجاعة والغلظة والعظمة ملائكة متراصة أقدامهم مصطكة مناكبهم متلازقة أكتافهم أنصافهم وقال سبحان الله وبحمده خلق الله من كلمته تلك ملكا فيذهب إلى السماء الرابعة فيغتسل في نهر يقال له الحياة ثم يخرج منها فينفض جناحه فيقطر منه مثل قطر السماء فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يسبح ويقدس ويثبت ذلك للعبد إلى النفخة الأولى.
قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال حدثنا محمد بن هاشم اسم> قال حدثنا الوليد بن مسلم اسم> قال أنبأتنا عبدة بنت خالد بن معدان اسم> أن أباها قال: إن ملك نصفه نور ونصفه ثلج يقول سبحانك اللهم كما ألفت بين هذا النور وهذا الثلج فألف بين قلوب المؤمنين ليس له تسبيح غيره.
قال حدثنا قتيبة اسم> قال حدثنا بكر بن مضر اسم> عن صخر بن عبد الله اسم> عن زياد بن أبي حبيب اسم> قال سمعته يقول: إن في السماء ملكا خلق من ثلج ونار فمن دعاء ذلك الملك أن يقول اللهم كما ألفت هذا بين الثلج والنار فألف بين عبادك المؤمنين.
قال حدثنا عبد الرحمن بن حسن اسم> قال حدثنا أبو شيبة بن أبي شيبة اسم> قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن بن عيسى المختار اسم> عن عيسى بن المختار اسم> عن أبيه عن ابن أبي ليلى اسم> عن المنهال اسم> عن مجاهد اسم> رحمه الله تعالى أنه قال: إن لله عز وجل ثمانية أملاك أربعة بالمشرق وأربعة بالمغرب فإذا أمسى قال الذي بالمشرق يا باغي الخير أقبل ويقول الذي في المغرب يا باغي الشر أقصر فإذا مضى ثلث الليل قال الذي بالمشرق اللهم أعط منفق ماله خلفا، ويقول الذي بالمغرب اللهم أعط ممسكا تلفا فإذا مضى ثلث الليل قال الثالث الذي بالمشرق سبحان الملك القدوس ويقول الذي بالمغرب سبحان الملك القدوس والرابع واضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر بالنفخة والآخر مقابله.
قال حدثنا أبو علي المصاحبي اسم> قال حدثنا ابن البراء اسم> قال حدثنا عبد المنعم اسم> عن أبيه عن وهب اسم> رحمه الله تعالى أنه قال: إن السماوات السبع محشوة من الملائكة لو قيست شعرة ما انقاست منهم الذاكر ومنهم الراكع ومنهم الساجد ترعد فرائصهم وتضطرب أجنحتهم فرقا من الله عز وجل ولم يعصوه طرفة عين.
قال حدثنا أبو الربيع الزراري اسم> قال حدثنا يعقوب القمي اسم> عن جعفر اسم> رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> قال جبريل يا محمد يا نبي الله صلى الله عليه وسلم إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت رسم> .
قال حدثنا العباس بن حمدان اسم> قال حدثنا محمد بن معمر اسم> قال حدثنا روح اسم> قال حدثنا شبل اسم> عن ابن أبي نجيح اسم> عن مجاهد اسم> رحمه الله تعالى: رسم> فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا قرآن> رسم> قال الملائكة ينزلها الله عز وجل بأمره على من يشاء.
قال حدثنا إسحاق بن أحمد اسم> قال قال حدثنا عبد الله بن عمران اسم> قال حدثنا أبو معاوية اسم> قال حدثنا الأعمش اسم> عن مسلم اسم> عن مسروق اسم> رضي الله عنه: رسم> وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قرآن> رسم> قال الملائكة.
قال حدثنا إسحاق اسم> قال حدثنا عبد الله اسم> قال حدثنا وكيع اسم> عن سفيان اسم> عن ابن أبي نجيح اسم> عن مجاهد اسم> رحمه الله تعالى: رسم> فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا قرآن> رسم> قال الملائكة وفي قوله تعالى: رسم> وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا قرآن> رسم> قال الملائكة.
قال حدثنا أحمد بن أبان اسم> عن فضيل بن عبد الوهاب اسم> قال حدثنا هشيم اسم> عن إسماعيل بن سالم اسم> عن الحكم اسم> رحمه الله تعالى: رسم> وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قرآن> رسم> قال بلغني أنه ينزل معه المطر من الملائكة أكثر من ولد آدم وولد إبليس يحصون كل قطرة وأين تقع ومن يرزق ذلك النبات.
قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال حدثنا محمد بن عمرو الحمصي اسم> قال حدثنا بقية اسم> قال حدثنا محمد بن زياد اسم> قال سمعت محمد بن شريح التيمي اسم> قال سمعت كعبا اسم> رحمه الله تعالى يقول: لو تجلى لابن آدم عن بصره لرأى على كل جبل وسهل شيطانا كلهم باسط إليه يداه فاغر إليه فاه يريدون هلكته فلولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم من بين أيديكم ومن خلفكم وعن أيمانكم وعن شمائلكم بمثل الشهب لتخطفوكم .
سمعنا هذه الآثار في حملة العرش, ويغني عن هذه التفاصيل ما ذكر الله في القرآن, قال الله تعالى: رسم> الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا قرآن> رسم> ولا شك أنهم من الملائكة الذين يحملون العرش ومَنْ حوله, وقال تعالى: رسم> وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ قرآن> رسم> أي: محيطين به, ومَنْ حوله وقال تعالى: رسم> وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قرآن> رسم> ذكر الله ذلك في يوم القيامة, أي في يوم القيامة يحمل العرش ثمانية, وفي نظم عبد الله بن رواحة اسم> قال:
شـهـدت بـأن وعـد اللـه حـق | وأن النـار مـثـوى الكـافـرينـا |
وأن العـرش فـوق المـاء طـافٍ | وفـوق الـعـرش رب العـالمينـا |
وتحمـلـــه ملائكــة كـرام | ملائـكــة الإلـه مسـومـينا |
ذكر الله تعالى الكرسي, قال تعالى: رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> وذكر ابن عباس اسم> وغيره أن الكرسي كالمرقاة بين يدي العرش, مع سعة الكرسي الذي اتسع للسماوات السبع, والأرضين السبع, فإنه صغير بالنسبة إلى العرش, ومع ذلك فإن هذا العرش الذي هذه عظمته تحمله الملائكة الكرام, وكيف حملوه؟
لا شك أنهم ما حملوه إلا بأمر الله, وبتقوية الرب تعالى لهم.
ذكر أنه لما خلقهم الله وقال: خلقتكم لحمل عرشي, قالوا: وكيف نحمل عرشك وأنت رب العالمين؟ فقال: قولوا: سبحان الله وبحمده حتى تَحْمِلُوه, فما استطاعوا أن يحملوه إلا بالتسبيح, لما أنهم يسبحون الله ويحمدونه, ويكبرونه, ويُجِلُّونه, ويُعَظِّمُونه, كان ذلك سببا في قدرتهم وقوتهم حتى حملوا هذا العرش, مع عظمته, ومع ارتفاعه, وكون الرب سبحانه وتعالى مستويا على عرشه.
وردت كما سمعنا هذه الأدلة في عظمة هؤلاء الملائكة حملةِ العرشِ, وأن منهم إسرافيل اسم> وهو الْمُوَكَّلُ بالنفخ في الصور, وأن زاوية من زوايا العرش على عاتقه, وأن رأسه قد خرق السماء السابعة, وأن قدميه تحت الأرض السابعة السفلى, فكيف تكون عظمته؟!
وهكذا ما سمعنا من هذه الآثار في عظمة هؤلاء الملائكة، وذلك ما ذُكِرَ من أن مسيرة ما بين عاتق أحدهم إلى ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة سنة وكذلك عظمة أجسادهم بهذه المسافات المسيرة, يعني: المسيرة معتادة, الإنسان لو سار إلى طرف الدنيا يمكن أن يستغرق في سيره مثلا ثمانين سنة, أو مائة سنة. إذا قلنا: إنه يسير من طرف الأرض إلى طرفها, فكيف بمسيرة مائتي سنة؟ خمسمائة سنة؟ خمسة آلاف سنة؟ أو خمسين ألف سنة؟
لا شك أن هذا دليل على عظمة خلقهم, إذا كان هذه عظمة خلقهم. ورد أن ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة سنة, من الأرض التي نحن عليها, إلى السماء الدنيا التي رُكِّبَتْ فيها هذه النجوم والشمس والقمر مسيرة خمسمائة سنة, وأن ما بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة سنة, وأن ما بين الأرض وبين الأرض الأخرى مسيرة خمسمائة سنة, ونحن لا نعلم أين الأرض الأخرى التي ذكر الله؟ حيث أخبر بأن الأرضين سبع, قال تعالى: رسم> اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قرآن> رسم> أي: سبع أرضين, فكل مسافة ما بين أرض إلى أرض خمسمائة سنة وما بين سماء إلى سماء خمسمائة سنة، وقالوا أيضا: إن كثف كل سماء يعني غلظها مسيرة خمسمائة سنة, فمن يحيط بهذه المخلوقات إلا الذي خلقها وأوجدها؟!
لا شك أن هذا دليل على عظمة هذه المخلوقات, وأما هذه الآثار وهذه النقول التي ذكرت فقد يقال أن الكثير منها أسانيده ضعيفة لا تصح, والكثير منها أيضا من الإسرائيليات كالتي رُوِيَتْ عن وهب بن مُنَبِّهٍ اسم> ونحوه ممن ينقلون عن كتب بني إسرائيل, فإنها لا تُعْتَمَدُ كدليل يدخل في العقيدة, ولكن قد يغني عنها ما ذكره الله تعالى من الأدلة الأخرى التي تدل على عظمة الملائكة, وعظم خلقهم, ومن جملتهم الذين يحملون العرش. نكتفي بهذا.
مسألة>